×

هل هناك إله؟

هل هناك إله؟

قضية وجود الله من عدمه، تعتبر من أبرز القضايا الفلسفية والدينية التي شغلت البشرية منذ فجر التاريخ. وهي قضية غير محددة، ولا يوجد إجابة نهائية وقاطعة لهذه القضية، حيث تتنوع الآراء والمعتقدات بشأنه. ولا يستطيع المؤمنين تقديم أدلة وبراهين ملموسة لأثبات وجود الله، أنما يحاولون محاولات يائسة لأثبات وجوده، وهي محاولات غير صحيحة وفاشلة، ولا تقدم أي جديد بخصوص هذه القضية.

ومن محاولات المؤمنين اليائسة لأثبات وجود الله الذي يؤمنون به، هو الإيمان، ويحاولون تقديم أدلة دينية وعقلية لدعم هذا الإيمان. ومن الحجج التي يستخدمها المؤمنين لتأكيد وجود الله، الحجة الكونية، تستند هذه الحجة إلى تعقيد الكون وانتظام قوانينه، إذا لا بد من وجود قوة عاقلة مصممة وراء هذا النسق من الانتظام والقوانين. والحجة الأخلاقية، تعتمد هذه الحجة على وجود الخير والشر في العالم، وتفترض أنه لا بد من وجود قوة أعلى تحدد المعايير الأخلاقية. والتجربة الدينية، يستند مؤمنون كثيرون إلى تجاربهم الشخصية مع الله، مثل الإلهام الروحي، كدليل على وجوده.

في هذه المقالة، سنخوض في نقد هذه الإدعاءات التي يقدمها المؤمنون، وتبيان أنها غير كافية وغير صحيحة، ولا تعتبر حجج للمسالمة بوجود الله من عدمه، أنما مجرد محاولات يائسة لأثبات صدق وحقيقة أيمانهم، الذي هم متعلقون به، لأسباب عديدة منها الوراثة عن الأسرة والبيئة التي هم بها، أو يتعلقون بهذا الإيمان لأسباب نفسية واهمة، أو لتجارب شخصية غير حقيقية، ولا تعتبر حقيقة أبعاد هذه التجارب، دليل على وجود الله. ويصرون أن الله موجود، حتى لو لم يكن هناك أي دليل ملموس لوجوده.

الإيمان لا يكفي لوجود الله

يدعي الكثير من المؤمنون، أن الإيمان هو دليل على وجود الله، ومن أصحاب هذا الرأي، أصحاب الاعتقاد الفطري، الذين يرون أن الإيمان بالله هو فطرة موجودة في الإنسان منذ خلقه، وأن هذا الإيمان هو الذي يدفعه إلى البحث عن الدليل والتأكد من وجود الله. ويعتبرون أن الأدلة على وجود الله تأتي لتؤكد ما هو موجود أصلاً في القلب، وليقوي الإيمان وليجيب عن الأسئلة التي قد تطرح.

ويرى أصحاب رأي الإيمان نتيجة العقل، أن الإيمان بالله يأتي نتيجة للتفكر والتدبر في الكون، ووجود الأدلة والبراهين على وجود خالق عظيم. ويعتبرون أن الإيمان هو قرار شخصي يتخذه الإنسان بعد أن يطلع على الأدلة المتاحة، ويقارن بينها وبين الشكوك والاعتراضات.

وهذه كلها محاولات يائسة لقلب القضية رأسا على عقب، فليس هناك دليل على كل هذه الأراء، وليس هناك دليل حقيقي أن الإيمان بالله فطري، بل بالعكس قد تكون الفطرة السليمة هي التشكيك بوجود الله أو آلهة، وتدعي الشخص للإلحاد في النهاية، لأنه كلما يحاول البحث عن دليل ملموس لوجود الله أو الأتصال به لا يستطيع ذلك.

وهذا لا يثبت أي حقيقة لقضية وجود الله، ولا يؤكد أي حقيقة لمصداقية الديانات، فهذا الأراء ليست أكثر من هراء ومحاولات يائسة من المؤمنون. وأية فطرة لا يستطيع العقل أو الله نفسه إثباتها، فالعقل ليس قادرٌ على إثبات وجود الله بشكل قاطع، ولا الله نفسه قادر على إثبات وجوده.

والتفكر والتدبر في الكون، وانتظام هذا الكون وقوانينه وعظمته، وأنه لا بد من وجود قوى عظيمة خلف هذه العظمة، التي تسبب صدمة الذهول، لا يعني أن أفترض وجود الله وابتعد في خيال عقلي المحدود بخصوص هذا الإله، ومع عدم وجود أي أدلة متاحة، لوجود هذا الإله، سواء كان موجودًا أو لم يكن موجودًا، فهذا لا يهم، ولست بحاجة لكل هذا العناء لشيء يفوق حدود قدرة عقلي، أن كان موجودًا ليعرف بنفسه.

وإذا كان الإيمان فطرة واحدة، فكيف نفسر تعدد الأديان والمعتقدات حول الله، إذا لا وجود حقيقي لمعرفة وجود الله بهذه الفطرة، ولا وجود لأي أدلة عقلية مقبولة لوجود الله من عدمه.

نقد الحجة الكونية

الحجة الكونية هي إحدى الحجج الفلسفية التي تسعى لإثبات وجود خالق للكون. تستند هذه الحجة إلى ملاحظة أن الكون له بداية، وأن كل شيء له بداية لابد وأن يكون له سبب. وبالتالي، فإن الكون الذي له بداية لابد وأن يكون له سبب، وهذا السبب هو ما يُطلق عليه اسم “الله” أو “الخالق”.

ومن أساسيات الحجة الكونية، تقول أن كل شيء له سبب، وإن لا شيء يأتي من العدم. كل ما هو موجود الآن لابد وأن يكون له سبب أو مسبب. وتشير إلى بداية الكون، حيث تشير العديد من النظريات العلمية، مثل نظرية الانفجار العظيم، إلى أن الكون له بداية زمنية. وإذا كان الكون له بداية، فإن سلسلة الأسباب لا يمكن أن تكون لانهائية. يجب أن يكون هناك سبب أول، وهو ما يُعرف بالخالق.

ومن أنواع الحجة الكونية، الحجة الكونية الكلاسيكية، ترتكز على فكرة أن كل شيء متحرك لابد وأن يكون له محرك، وأن سلسلة الحركة لا يمكن أن تكون لانهائية. والحجة الكونية الحديثة، تستند إلى نظرية الانفجار العظيم، وتعتبر أن هذا الانفجار الكبير يحتاج إلى مسبب أول.

لا يهم أن كان هناك لكل شيء سبب، وأن كان كل موجود لابد وأن يكون له سبب أو مسبب. الذي يهم ما هو ذلك السبب، وعلى أي أساس أن يكون السبب شيء يشبه شيء كـ”الله”، قد يكون السبب شيء ما مجهول، وليس بالضرورة أن يكون السبب كيان يدعوني للإيمان بوجود الله بصفات معينة، ونشر الأساطير والخرافات حول طبيعة ذلك الإله.

وفرضية وجود السبب لا تعني أن أؤمن بالأديان وأفترض وجود الله بصفات معينة، فهذه تبقى قضية غيبية مجهولة، وغير معروفة لأحد، ولا تعتبر دليل على أن السبب هو الله الموجود في الأديان.

وليس هناك أي داعي للتفكير في هذا السبب، ما دمت عاجزا عن فهم طبيعة هذا السبب، وأن كان هناك سبب يدعوني لمعرفته، فليعلن عن نفسه صراحة، ويعرفني على نفسه، لأنني عاجز عن معرفته، ولا يمكنني أن أبني الأوهام والأمال، وأنشر وأدعوا الأخرين للإيمان بالأكاذيب، على شيء مجهول وغير معروف بالنسبة لي. فلهذا هذه الحجة لا تقدم شيء لصالح وجود الله من عدمه، وليست ذات أهمية.

نقد الحجة الأخلاقية

الحجة الأخلاقية هي إحدى الحجج الفلسفية التي تسعى لإثبات وجود الله من خلال الاستناد إلى وجود الأخلاق والقيم العالمية. تدعي هذه الحجة أن وجود الأخلاق والقيم الأخلاقية المتشابهة في مختلف الثقافات والشعوب يشير إلى وجود قانون أخلاقي علوي، وأن هذا القانون لا يمكن أن يكون إلا من مصدر أعلى، وهو الله.

من أساسيات الحجة الأخلاقية، تشير الحجة إلى وجود قيم أخلاقية مشتركة بين جميع البشر، مثل العدالة والرحمة والصدق، بغض النظر عن الثقافة أو الدين. وتستنتج الحجة أن هذه القيم الأخلاقية العالمية تشير إلى وجود قانون أخلاقي كوني، وهو أعلى من القوانين البشرية. وتدعي الحجة أن المصدر الوحيد الذي يمكن أن يكون وراء هذا القانون الأخلاقي الكوني هو الله، كونه الكمال المطلق والحكمة المطلقة.

ومن أشكال الحجة الأخلاقية، تدعي أن الأخلاق تحتاج إلى معيار مطلق لكي تكون ذات قيمة، وأن هذا المعيار لا يمكن أن يكون إلا الله. وتشير إلى الشعور بالذنب عند ارتكاب الخطأ، والشعور بالأمل في وجود حياة بعد الموت، وتعتبر هذه المشاعر دليلاً على وجود قانون أخلاقي ووجود خالق.

الأخلاق ليست متشابهة من ثقافة إلى أخرى، ولا وجود لمعيار أخلاقي مطلق. والأخلاق تختلف بشكل كبير بين الثقافات والأديان، مما يبين عدم وجود معيار أخلاقي مطلق. والقيم الأخلاقية تتغير بمرور الزمن، مما يؤكد أنها وليدة الظروف الاجتماعية والتاريخية.

وهناك الأخلاق التطورية، التي تشير أن الأخلاق قد تطورت بشكل طبيعي عبر الزمن، نتيجة للانتقاء الطبيعي والتعاون الاجتماعي. وترى نظرية الأخلاق التطورية، أن الأخلاق هي مجموعة من القواعد التي تساعد البشر على التعاون والبقاء، ولا يعني وجود مشرع أخلاقي هو أعلى من قوانين البشر.

وهناك الأخلاق الاجتماعية، التي تفسر الأخلاق على أنها نتاج تفاعلات اجتماعية وتطور ثقافي، دون الحاجة إلى وجود خالق. وتشبه القواعد الأخلاقية القواعد الاجتماعية الأخرى التي تهدف إلى تنظيم السلوك.

وذلك الإله المستخدم في الحجة الأخلاقية غير واضح وغير محدد، لماذا نسند القوانين الأخلاقية لإله وهمي لا يدركه عقلنا، ولا وجود لأدلة تثبت وجوده حقيقةً. وحتى لو ثبت وجود قانون أخلاقي مطلق، فكيف يمكننا أستنتاج وجود ذلك الإله بتلك الصفات التي تصفها لنا الأديان؟.

وهناك العديد من التساؤلات تجوب هذه الحجة، إذا كان هناك إله خالق للأخلاق، فلماذا يوجد الشر والظلم في العالم؟، وإذا كان ذلك الإله محب وخير، فكيف نفسر وجود الشر والظلم في العالم الذي خلقه هو؟.

الله وتجربتي الشخصية

التجربة الروحية التي خضتها في حياتي، وما زلت أخوضها، في فصام العقل والروح، تجربة شخصية مع الأبعاد والكائنات الخفية، كائنات أعلى من حدود قدرات العقل البشري، جعلتني أتسأل هل أنا أتصل بكيان الله؟. بدئت أنفصم وأفقد صلتي الأنتمائية، بدئت روحي توجه نداء واجبا.

كان هناك مرض، وفصام، وخروج عن الواقع، كان هناك ضياعًا، كان هناك ذهولاً، كان هناك ألم، كان هناك خوف. بدأت أشعر بالرغبة بالصلاة الروحية، أحتاج إلى راعً، منقذ. وعمر سنوات وسنوات طويلة، وأنا داخل هذه التجربة الروحية، في أبعاد العالم الخفية، مع كائنات تفوق إدراك عقلي الطبيعية. أنا في العالم الواقعي وهناك عالم اصطحبه معي، طوال الوقت، أحياناً أرغبه أن يغادر، وأحياناً أخرى لا أستطيع تصور فقدانه، في البداية أضطربت وبعدها أعتدت.

من خلال هذه التجربة الروحية، أكتشفت الكثير من الحقائق وعالم الروح، وأكتشفت جذور روحي، وتعلمت كيف أحافظ على توازن روحي وعقلي وأن يكونان بسلام على الدوام. وتعلمت أن أكون قوياً وشجاعاً، وأن لا أسمح للخوف بأن يسيطر عليّ.

ولكن هل هذه التجربة الروحية، أفقدتني الصلة بالإلحاد، بالطبع لم تستطع أن تفقدني الصلة، ولم تخبرني هذه التجربة أن الله موجود، ولم تخبرني بالحقيقة المطلقة، فالكثير من التفسيرات يقدمها عقلي تجاه هذه التجربة وتجاه هذا العالم، قد يكونون الكثير من الأشياء الأخرى، ولا علاقة لهم بكيان يدعى بـ “الله”، وليس بالضرورة أن يكونون على علاقة في العوالم العليا المجهولة.

وهم مجرد كائنات في أبعاد خفية في هذا الكوكب، حتى لو كان ملكوتهم أعلى من ملكوت البشر، هم محدودين في القضايا الغيبية العليا، ولا يعلمون حقيقة مطلقة.

ومن خلال هذه التجربة الروحية لم أغير رؤيتي، فأنا إنسان فلسفتي الأولى إلحادية بحتة. وأعارض الأيمان الغيبي وأعارض الأيمان بلا دليل ملموس وتجربة وملاحظة، وأعارض أن أؤمن بوجود خالق لمجرد إيمان وحدس وتكهنات لما وراء القضايا الغيبية المجهولة، ولا وجود لتجربة روحية تعرفك على ذلك الكيان المدعو بـ “الله”.

إرسال التعليق

ربما تكون قد فاتتك